فصل: بَابُ التَّحَالُفِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية (نسخة منقحة)



.فصلٌ فِي كَيْفِيَّةِ الْيَمِينِ وَالِاسْتِحْلَافِ:

قَالَ: (وَالْيَمِينُ بِاَللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ دُونَ غَيْرِهِ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «مَنْ كَانَ مِنْكُمْ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاَللَّهِ أَوْ لِيَذَرْ» وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللَّهِ فَقَدْ أَشْرَكَ» (وَقَدْ تُؤَكَّدُ بِذِكْرِ أَوْصَافِهِ) وَهُوَ التَّغْلِيظُ، وَذَلِكَ مِثْلُ قَوْلِهِ: قُلْ: وَاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ الَّذِي يَعْلَمُ مِنْ السِّرِّ وَالْخَفَاءِ مَا يَعْلَمُ مِنْ الْعَلَانِيَةِ مَا لِفُلَانٍ هَذَا عَلَيْك وَلَا قِبَلَك هَذَا الْمَالُ الَّذِي ادَّعَاهُ وَهُوَ كَذَا وَكَذَا وَلَا شَيْءَ مِنْهُ، وَلَهُ أَنْ يَزِيدَ فِي التَّغْلِيظِ عَلَى هَذَا وَلَهُ أَنْ يُنْقِصَ مِنْهُ إلَّا أَنَّهُ يَحْتَاطُ فِيهِ كَيْ لَا يَتَكَرَّرَ عَلَيْهِ الْيَمِينُ لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ يَمِينٌ وَاحِدَةٌ، وَالْقَاضِي بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ غَلَّظَ وَإِنْ شَاءَ لَمْ يُغَلِّظْ فَيَقُولُ: قُلْ بِاَللَّهِ، أَوْ وَاَللَّهِ، وَقِيلَ: لَا يُغَلِّظُ عَلَى الْمَعْرُوفِ بِالصَّلَاحِ وَيُغَلِّظُ عَلَى غَيْرِهِ، وَقِيلَ: يُغَلِّظُ فِي الْخَطِيرِ مِنْ الْمَالِ دُونَ الْحَقِيرِ.
الشرح:
بَابٌ فِي كَيْفِيَّةِ الْيَمِينِ:
الْحَدِيثُ الثَّانِي: حَدِيثُ: «مَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاَللَّهِ، أَوْ لِيَذَرْ» تَقَدَّمَ فِي الْأَيْمَانِ.
قَالَ: (وَلَا يُسْتَحْلَفُ بِالطَّلَاقِ وَلَا بِالْعَتَاقِ) لِمَا رَوَيْنَا وَقِيلَ: فِي زَمَانِنَا إذَا أَلَحَّ الْخَصْمُ سَاغَ لِلْقَاضِي أَنْ يَحْلِفَ بِذَلِكَ لِقِلَّةِ الْمُبَالَاةِ بِالْيَمِينِ بِاَللَّهِ وَكَثْرَةِ الِامْتِنَاعِ بِسَبَبِ الْحَلِفِ بِالطَّلَاقِ.
قَالَ: (وَيُسْتَحْلَفُ الْيَهُودِيُّ بِاَللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ وَالنَّصْرَانِيُّ بِاَللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ الْإِنْجِيلَ عَلَى عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِابْنِ صُورِيَّا الْأَعْوَرِ: «أَنْشُدُك بِاَللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى أَنَّ حُكْمَ الزِّنَا فِي كِتَابِكُمْ هَذَا» وَلِأَنَّ الْيَهُودِيَّ يَعْتَقِدُ نُبُوَّةَ مُوسَى وَالنَّصْرَانِيَّ نُبُوَّةَ عِيسَى عَلَيْهِمَا السَّلَامُ، فَيُغَلَّظُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِذِكْرِ الْمُنَزَّلِ عَلَى نَبِيِّهِ (وَ) يُسْتَحْلَفُ (الْمَجُوسِيُّ بِاَللَّهِ الَّذِي خَلَقَ النَّارَ) وَهَكَذَا ذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ.
وَيُرْوَى عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي النَّوَادِرِ لِأَنَّهُ لَا يُسْتَحْلَفُ أَحَدٌ إلَّا بِاَللَّهِ خَالِصًا، وَذَكَرَ الْخَصَّافُ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ لَا يُسْتَحْلَفُ غَيْرُ الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ إلَّا بِاَللَّهِ، وَهُوَ إخْبَارُ بَعْضِ مَشَايِخِنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ لِأَنَّ فِي ذِكْرِ النَّارِ مَعَ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى تَعْظِيمَهَا وَمَا يَنْبَغِي أَنْ تُعَظَّمَ بِخِلَافِ الْكِتَابَيْنِ لِأَنَّ كُتُبَ اللَّهِ مُعَظَّمَةٌ (وَالْوَثَنِيُّ لَا يَحْلِفُ إلَّا بِاَللَّهِ) لِأَنَّ الْكَفَرَةَ بِأَسْرِهِمْ يَعْتَقِدُونَ اللَّهَ تَعَالَى، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهَ}، قَالَ: (وَلَا يَحْلِفُونَ فِي بُيُوتِ عِبَادَتِهِمْ) لِأَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَحْضُرُهَا بَلْ هُوَ مَمْنُوعٌ عَنْ ذَلِكَ.
الشرح:
الْحَدِيثُ الثَّالِثُ: قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِابْنِ صُورِيَّا الْأَعْوَرِ: «أَنْشُدُك بِاَللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى أَنَّ حُكْمَ الزِّنَا فِي كِتَابِكُمْ هَذَا»؟ قُلْت: أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي الْحُدُودِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُرَّةَ عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، قَالَ: «مَرَّ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَهُودِيٌّ مُحَمَّمٌ، فَدَعَاهُمْ، فَقَالَ: هَكَذَا تَجِدُونَ حَدَّ الزَّانِي؟ قَالُوا: نَعَمْ فَدَعَا رَجُلًا مِنْ عُلَمَائِهِمْ، فَقَالَ لَهُ: نَشَدْتُك بِاَللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى، أَنْ هَكَذَا تَجِدُونَ حَدَّ الزَّانِي فِي كِتَابِكُمْ؟ فَقَالَ: اللَّهُمَّ لَا، وَلَوْلَا أَنَّك نَشَدْتنِي بِهَذَا لَمْ أُخْبِرْك بِحَدٍّ، حَدُّ الزَّانِي فِي كِتَابِنَا الرَّجْمُ، وَلَكِنَّهُ كَثُرَ فِي أَشْرَافِنَا، فَكُنَّا إذَا أَخَذْنَا الرَّجُلَ الشَّرِيفَ تَرَكْنَاهُ، وَإِذَا أَخَذْنَا الضَّعِيفَ أَقَمْنَا عَلَيْهِ الْحَدَّ، فَقُلْنَا: تَعَالَوْا نَجْتَمِعْ عَلَى شَيْءٍ نُقِيمُهُ عَلَى الشَّرِيفِ وَالْوَضِيعِ، فَاجْتَمَعْنَا عَلَى التَّحْمِيمِ وَالْجَلْدِ، وَتَرَكْنَا الرَّجْمَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اللَّهُمَّ إنِّي أَوَّلُ مَنْ أَحْيَا أَمْرَك إذْ أَمَاتُوهُ، فَأُمِرَ بِهِ، فَرُجِمَ»، انْتَهَى.
قَالَ الشُّرَّاحُ: وَهَذَا الرَّجُلُ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صُورِيَّا، وَكَانَ أَعْلَمَ مَنْ بَقِيَ مِنْهُمْ بِالتَّوْرَاةِ، وَقَدْ صُرِّحَ بِاسْمِهِ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد عَنْ سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ عِكْرِمَةَ: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ يَعْنِي لِابْنِ صُورِيَّا: أُذَكِّرُكُمْ بِاَللَّهِ الَّذِي نَجَّاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ، وَأَقْطَعَكُمْ الْبَحْرَ، وَظَلَّلَ عَلَيْكُمْ الْغَمَامَ، وَأَنْزَلَ عَلَيْكُمْ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى، وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى، أَتَجِدُونَ فِي كِتَابِكُمْ الرَّجْمَ؟ قَالَ: ذَكَّرْتَنِي بِعَظِيمٍ، وَلَا يَسَعُنِي أَنَّ أَكْذِبَك»، وَسَاقَ الْحَدِيثَ، انْتَهَى.
وَهُوَ مُرْسَلٌ، وَجَعَلَهُ شَيْخُنَا عَلَاءُ الدِّينِ مُسْنَدًا مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ، مُقَلِّدًا لِغَيْرِهِ فِي ذَلِكَ، وَهُوَ وَهْمٌ، وَلَمْ يُخَرِّجْهُ أَبُو دَاوُد إلَّا مُرْسَلًا، هَكَذَا ذَكَرَهُ فِي كِتَابِ الْأَقْضِيَةِ.
أَحَادِيثُ الْبَابِ:
أَخْرَجَ أَبُو دَاوُد عَنْ مُجَالِدٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: «جَاءَتْ الْيَهُودُ بِرَجُلٍ وَامْرَأَةٍ مِنْهُمْ زَنَيَا، فَقَالَ: ائْتُونِي بِأَعْلَمِ رَجُلَيْنِ مِنْكُمْ، فَأَتَوْهُ بِابْنَيْ صُورِيَّا، فَنَشَدَهُمَا كَيْفَ تَجِدَانِ أَمْرَ هَذَيْنِ فِي التَّوْرَاةِ؟ قَالَا: نَجِدُ فِيهَا»، إلَى آخِرِهِ.
وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الشَّهَادَاتِ.
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ: وَقَوْلُهُ: بِابْنَيْ صُورِيَّا، لَعَلَّهُ أَرَادَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ صُورِيَّا بِضَمِّ الصَّادِ، وَفَتْحِ الرَّاءِ وَقِيلَ: بِكَسْرِهَا، وَكِنَانَةُ بْنُ صُورِيَّا بِضَمِّ الصَّادِ، وَكَسْرِ الرَّاءِ، وَالْمَدِّ فَيَكُونُ قَدْ ثَنَّاهُمَا عَلَى لَفْظِ أَحَدِهِمَا: أَوْ يَكُونُ عَبْدُ اللَّهِ أَيْضًا يُقَالُ فِيهِ: ابْنُ صُورِيَّا، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد أَيْضًا عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ حَدَّثَنَا رَجُلٌ مِنْ مُزَيْنَةُ، وَنَحْنُ عِنْدَ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: «قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْنِي لِلْيَهُودِ: أَنْشُدُكُمْ بِاَللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى مَا تَجِدُونَ فِي التَّوْرَاةِ عَلَى مَنْ زَنَى؟»، انْتَهَى.
وفِيهِ انْقِطَاعٌ.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ حَدَّثَنَا بَكْرُ بْنُ سَهْلٍ ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ: عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «فِي قَوْله تَعَالَى: {إنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا}، قَالَ: هُمْ الْيَهُودُ زَنَتْ مِنْهُمْ امْرَأَةٌ، وَقَدْ كَانَ اللَّهُ تَعَالَى حَكَمَ فِي التَّوْرَاةِ فِي الزِّنَا الرَّجْمَ، فَنَفِسُوا أَنْ يَرْجُمُوهَا، وَقَالُوا: انْطَلِقُوا إلَى مُحَمَّدٍ، فَعَسَى أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُ رُخْصَةٌ، فَاقْبَلُوهَا، فَأَتَوْهُ، فَقَالُوا: يَا أَبَا الْقَاسِمِ إنَّ امْرَأَةً مِنَّا زَنَتْ، فَمَا تَقُولُ فِيهَا؟ فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: كَيْفَ حُكْمُ اللَّهِ فِي التَّوْرَاةِ فِي الزَّانِي؟ فَقَالُوا: دَعْنَا مِنْ التَّوْرَاةِ، فَمَا عِنْدَك فِي ذَلِكَ؟ فَقَالَ: ائْتُونِي بِأَعْلَمِكُمْ بِالتَّوْرَاةِ الَّتِي أُنْزِلَتْ عَلَى مُوسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَتَوْهُ، فَقَالَ لَهُمْ: بِاَلَّذِي نَجَّاكُمْ، مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ، وَبِاَلَّذِي فَلَقَ الْبَحْرَ فَأَنْجَاكُمْ، وَأَغْرَقَ آلَ فِرْعَوْنَ، أَلَا أَخْبَرْتُمُونِي مَا حُكْمُ اللَّهِ فِي التَّوْرَاةِ فِي الزَّانِي؟ فَقَالُوا: حُكْمُ اللَّهِ الرَّجْمُ»، انْتَهَى.
قَالَ: (وَلَا يَجِبُ تَغْلِيظُ الْيَمِينِ عَلَى الْمُسْلِمِ بِزَمَانٍ وَلَا مَكَان) لِأَنَّ الْمَقْصُودَ تَعْظِيمُ الْمُقْسَمِ بِهِ وَهُوَ حَاصِلٌ بِدُونِ ذَلِكَ وَفِي إيجَابِ ذَلِكَ حَرَجٌ عَلَى الْقَاضِي حَيْثُ يُكَلَّفُ حُضُورُهَا وَهُوَ مَدْفُوعٌ.
قَالَ: (وَمَنْ ادَّعَى أَنَّهُ ابْتَاعَ مِنْ هَذَا عَبْدَهُ بِأَلْفٍ فَجَحَدَ اُسْتُحْلِفَ بِاَللَّهِ مَا بَيْنَكُمَا بَيْعٌ قَائِمٌ فِيهِ وَلَا يُسْتَحْلَفُ بِاَللَّهِ مَا بِعْت) لِأَنَّهُ قَدْ يُبَاعُ الْعَيْنُ ثُمَّ يُقَالُ فِيهِ (وَيُسْتَحْلَفُ فِي الْغَصْبِ: بِاَللَّهِ مَا يَسْتَحِقُّ عَلَيْك رَدُّهُ وَلَا يَحْلِفُ بِاَللَّهِ مَا غَصَبْت) لِأَنَّهُ قَدْ يَغْصِبُ ثُمَّ يَفْسَخُ بِالْهِبَةِ وَالْبَيْعِ (وَفِي النِّكَاحِ: بِاَللَّهِ مَا بَيْنَكُمَا نِكَاحٌ قَائِمٌ فِي الْحَالِ) لِأَنَّهُ قَدْ يَطْرَأُ عَلَيْهِ الْخُلْعُ (وَفِي دَعْوَى الطَّلَاقِ: بِاَللَّهِ مَا هِيَ بَائِنٌ مِنْك السَّاعَةَ بِمَا ذَكَرْت، وَلَا يُسْتَحْلَفُ بِاَللَّهِ مَا طَلَّقَهَا) لِأَنَّ النِّكَاحَ قَدْ يُجَدَّدُ بَعْدَ الْإِبَانَةِ فَيَحْلِفُ عَلَى الْحَاصِلِ فِي هَذِهِ الْوُجُوهِ، لِأَنَّهُ لَوْ حَلَفَ عَلَى السَّبَبِ يَتَضَرَّرُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ.
أَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ يَحْلِفُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ عَلَى السَّبَبِ إلَّا إذَا عَرَضَ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِمَا ذَكَرْنَا فَحِينَئِذٍ يَحْلِفُ عَلَى الْحَاصِلِ وَقِيلَ يُنْظَرُ إلَى إنْكَارِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إنْ أَنْكَرَ السَّبَبَ يَحْلِفُ عَلَيْهِ، وَإِنْ أَنْكَرَ الْحُكْمَ يَحْلِفُ عَلَى الْحَاصِلِ فَالْحَاصِلُ هُوَ الْأَصْلُ عِنْدَهُمَا إذَا كَانَ سَبَبًا يَرْتَفِعُ بِرَافِعٍ إلَّا إذَا كَانَ فِيهِ تَرْكُ النَّظَرِ فِي جَانِبِ الْمُدَّعِي، فَحِينَئِذٍ يَحْلِفُ عَلَى السَّبَبِ بِالْإِجْمَاعِ وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ تَدَّعِيَ مَبْتُوتَةٌ نَفَقَةَ الْعِدَّةِ، وَالزَّوْجُ مِمَّنْ لَا يَرَاهَا أَوْ ادَّعَى شُفْعَةً بِالْجِوَارِ وَالْمُشْتَرِي لَا يَرَاهَا، لِأَنَّهُ لَوْ حَلَفَ عَلَى الْحَاصِلِ يُصَدَّقُ فِي يَمِينِهِ فِي مُعْتَقَدِهِ، فَيَفُوتُ النَّظَرُ فِي حَقِّ الْمُدَّعِي، وَإِنْ كَانَ سَبَبًا لَا يَرْتَفِعُ بِرَافِعٍ فَالتَّحْلِيفُ عَلَى السَّبَبِ بِالْإِجْمَاعِ (كَالْعَبْدِ الْمُسْلِمِ إذَا ادَّعَى الْعِتْقَ عَلَى مَوْلَاهُ بِخِلَافِ الْأَمَةِ وَالْعَبْدِ الْكَافِرِ) لِأَنَّهُ يُكَرِّرُ الرِّقَّ عَلَيْهَا بِالرِّدَّةِ وَاللِّحَاقِ، وَعَلَيْهِ بِنَقْضِ الْعَهْدِ وَاللِّحَاقِ وَلَا يُكَرِّرُ عَلَى الْعَبْدِ الْمُسْلِمِ.
قَالَ: (وَمَنْ وَرِثَ عَبْدًا وَادَّعَاهُ آخَرُ يُسْتَحْلَفُ عَلَى عِلْمِهِ) لِأَنَّهُ لَا عِلْمَ لَهُ بِمَا صَنَعَ الْمُوَرِّثُ، فَلَا يَحْلِفُ عَلَى الْبَتَاتِ (وَإِنْ وُهِبَ لَهُ أَوْ اشْتَرَاهُ يَحْلِفُ عَلَى الْبَتَاتِ) لِوُجُودِ الْمُطْلَقِ لِلْيَمِينِ، إذْ الشِّرَاءُ سَبَبٌ لِثُبُوتِ الْمِلْكِ وَضْعًا وَكَذَا الْهِبَةُ.
قَالَ: (وَمَنْ ادَّعَى عَلَى آخَرَ مَالًا فَافْتَدَى يَمِينَهُ أَوْ صَالَحَهُ مِنْهَا عَلَى عَشَرَةٍ فَهُوَ جَائِزٌ) وَهُوَ مَأْثُورٌ عَنْ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ (وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَحْلِفَهُ عَلَى تِلْكَ الْيَمِينِ أَبَدًا) لِأَنَّهُ أَسْقَطَ حَقَّهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
الشرح:
قَوْلُهُ: وَهُوَ مَأْثُورٌ عَنْ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَعْنِي جَوَازَ الْفِدَاءِ عَنْ الْيَمِينِ بِالْمَالِ.
قُلْت: قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِ الْمَعْرِفَةِ فِي كِتَابِ أَدَبِ الْقَاضِي: قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: بَلَغَنِي أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ رُدَّتْ عَلَيْهِ الْيَمِينُ فَافْتَدَاهَا بِمَالٍ، وَقَالَ: أَخَافُ أَنْ يُوَافِقَ قَدَرَ بَلَاءٍ، فَيُقَالُ: هَذَا بِيَمِينِهِ، وَقَالَ فِي آخِرِ الْبَابِ وَفِي كِتَابِ الْمُسْتَخْرَجِ لِأَبِي الْوَلِيدِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ: وَفِيهِ إرْسَالٌ، أَنَّ رَجُلًا اسْتَقْرَضَ مِنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ سَبْعَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ، فَلَمَّا تَقَاضَاهُ، قَالَ لَهُ: إنَّمَا هِيَ أَرْبَعَةُ آلَافٍ، فَخَاصَمَهُ إلَى عُمَرَ، فَقَالَ: تَحْلِفُ أَنَّهَا سَبْعَةُ آلَافٍ؟ فَقَالَ عُمَرُ: أُنْصِفُك، فَأَبَى عُثْمَانُ أَنْ يَحْلِفَ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: خُذْ مَا أَعْطَاك، انْتَهَى.
وَفِي الْبَابِ عَنْ جَمَاعَةٍ، فَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ شَرِيكِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ثَنَا الْأَسْوَدُ بْنُ قَيْسٍ عَنْ رَجُلٍ مِنْ قَوْمِهِ، قَالَ: عَرَفَ حُذَيْفَةُ بَعِيرَهُ مَعَ رَجُلٍ فَخَاصَمَهُ، فَقَضَى لِحُذَيْفَةَ بِالْبَعِيرِ، وَأَنَّ عَلَيْهِ الْيَمِينَ، فَقَالَ حُذَيْفَةُ: أَفْتَدِي يَمِينِي مِنْك بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ، فَأَبَى الرَّجُلُ، فَقَالَ حُذَيْفَةُ: بِعِشْرِينَ، فَأَبَى، قَالَ: بِثَلَاثِينَ، فَأَبَى، قَالَ: بِأَرْبَعِينَ، فَأَبَى، فَقَالَ حُذَيْفَةُ: أَتَظُنُّ أَنِّي لَا أَحْلِفُ عَلَى مَالِي، فَحَلَفَ عَلَيْهِ حُذَيْفَةُ، انْتَهَى.
وأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ عَنْ الْأَسْوَدِ بْنِ قَيْسٍ عَنْ حَسَّانَ بْنِ ثُمَامَةَ، قَالَ: زَعَمُوا أَنَّ حُذَيْفَةَ عَرَفَ جَمَلًا لَهُ سُرِقَ، فَخَاصَمَ فِيهِ إلَى قَاضِي الْمُسْلِمِينَ، فَصَارَتْ عَلَى حُذَيْفَةَ يَمِينٌ، فَأَرَادَ أَنْ يَفْتَدِيَ يَمِينَهُ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ، فَأَبَى الرَّجُلُ، فَقَالَ عِشْرُونَ، فَأَبَى، فَقَالَ: ثَلَاثُونَ، فَأَبَى، فَقَالَ: أَرْبَعُونَ، فَأَبَى، فَقَالَ حُذَيْفَةُ: أَأَتْرُكُ جَمَلِي؟ فَحَلَفَ أَنَّهُ جَمَلُهُ مَا بَاعَهُ، وَلَا وَهَبَهُ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ، وَالطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الْأَوْسَطِ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ يَحْيَى عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ فَدَى يَمِينَهُ بِعَشَرَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ، ثُمَّ قَالَ: وَرَبِّ هَذَا الْبَيْتِ لَوْ حَلَفْت لَحَلَفْت صَادِقًا، وَإِنَّمَا شَيْءٌ افْتَدَيْت بِهِ يَمِينِي، انْتَهَى.
وَمُعَاوِيَةُ بْنُ يَحْيَى هَذَا هُوَ الصَّدَفِيُّ، ضَعَّفُوهُ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ عَنْ الْأَشْعَثِ بْنِ قَيْسِ، قَالَ: لَقَدْ افْتَدَيْت يَمِينِي مَرَّةً بِسَبْعِينَ أَلْفِ دِرْهَمٍ، وَذَلِكَ أَنِّي سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنْ اقْتَطَعَ حَقَّ مُسْلِمٍ بِيَمِينٍ لَقِيَ اللَّهَ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ»، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ سَأَلَهُ عَنْ الْقَسَامَةِ، فَذَكَرَ حَدِيثَ الْقَسَامَةِ، إلَى أَنْ قَالَ: وَقَدْ كَانَتْ هُذَيْلٌ خَلَعُوا خَلِيعًا لَهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَطَرَقَ أَهْلَ بَيْتٍ بِالْبَطْحَاءِ، فَانْتَبَهَ لَهُ رَجُلٌ مِنْهُمْ، فَحَذَفَهُ بِالسَّيْفِ فَقَتَلَهُ، فَجَاءَتْ هُذَيْلٌ، وَأَخَذُوا الْيَمَانِيَ، فَرَفَعُوهُ إلَى عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِالْمَوْسِمِ، فَقَالُوا: قَتَلَ صَاحِبَنَا، فَقَالَ: يُقْسِمُ خَمْسُونَ مِنْ هُذَيْلٍ مَا خَلَعُوهُ، قَالَ: فَأَقْسَمَ مِنْهُمْ تِسْعَةٌ وَأَرْبَعُونَ رَجُلًا، وَقَدِمَ رَجُلٌ مِنْهُمْ مِنْ الشَّامِ فَسَأَلُوهُ أَنْ يُقْسِمَ، فَافْتَدَى يَمِينَهُ مِنْهُمْ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ، فَأَدْخَلُوا مَكَانَهُ رَجُلًا آخَرَ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، قَالَ: سُئِلَ الزُّهْرِيُّ عَنْ الرَّجُلِ يَقَعُ عَلَيْهِ الْيَمِينُ، فَيُرِيدُ أَنْ يَفْتَدِيَ يَمِينَهُ، فَقَالَ: كَانُوا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ، وَقَدْ افْتَدَى عُبَيْدٌ السِّهَامُ وَكَانَ مِنْ الصَّحَابَةِ يَمِينَهُ بِعَشَرَةِ آلَافٍ، وَكَانَ ذَلِكَ فِي إمَارَةِ مَرْوَانَ، وَالصَّحَابَةُ بِالْمَدِينَةِ كَثِيرٌ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَى ابْنُ سَعْدٍ فِي الطَّبَقَاتِ أَخْبَرَنَا قَبِيصَةُ بْنُ عُقْبَةَ ثَنَا سُفْيَانُ عَنْ جَابِرٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ أَنَّ مَسْرُوقًا افْتَدَى يَمِينَهُ بِخَمْسِينَ دِرْهَمًا، انْتَهَى.

.بَابُ التَّحَالُفِ:

قَالَ: (وَإِذَا اخْتَلَفَ الْمُتَبَايِعَانِ فِي الْبَيْعِ فَادَّعَى أَحَدُهُمَا ثَمَنًا وَادَّعَى الْبَائِعُ أَكْثَرَ مِنْهُ أَوْ اعْتَرَفَ الْبَائِعُ بِقَدْرٍ مِنْ الْمَبِيعِ وَادَّعَى الْمُشْتَرِي أَكْثَرَ مِنْهُ فَأَقَامَ أَحَدُهُمَا الْبَيِّنَةَ قُضِيَ لَهُ بِهَا) لِأَنَّ فِي الْجَانِبِ الْآخَرِ مُجَرَّدَ الدَّعْوَى، وَالْبَيِّنَةُ أَقْوَى مِنْهَا (وَإِنْ أَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةً كَانَتْ الْبَيِّنَةُ الْمُثْبِتَةُ لِلزِّيَادَةِ أَوْلَى) لِأَنَّ الْبَيِّنَاتِ لِلْإِثْبَاتِ، وَلَا تَعَارُضَ فِي الزِّيَادَةِ (وَلَوْ كَانَ الِاخْتِلَافُ فِي الثَّمَنِ وَالْمَبِيعِ جَمِيعًا فَبَيِّنَةُ الْبَائِعِ أَوْلَى فِي الثَّمَنِ، وَبَيِّنَةُ الْمُشْتَرِي أَوْلَى فِي الْمَبِيعِ) نَظَرًا إلَى زِيَادَةِ الْإِثْبَاتِ (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةٌ قِيلَ: لِلْمُشْتَرِي إمَّا أَنْ تَرْضَى بِالثَّمَنِ الَّذِي ادَّعَاهُ الْبَائِعُ وَإِلَّا فَسَخْنَا الْبَيْعَ، وَقِيلَ لِلْبَائِعِ: إمَّا أَنْ تُسَلِّمَ مَا ادَّعَاهُ الْمُشْتَرِي مِنْ الْمَبِيعِ وَإِلَّا فَسَخْنَا الْبَيْعَ) لِأَنَّ الْمَقْصُودَ قَطْعُ الْمُنَازَعَةِ وَهَذِهِ جِهَةٌ فِيهِ لِأَنَّهُ رُبَّمَا لَا يَرْضَيَانِ بِالْفَسْخِ، فَإِذَا عَلِمَا بِهِ يَتَرَاضَيَانِ بِهِ (فَإِنْ لَمْ يَتَرَاضَيَا اسْتَحْلَفَ الْحَاكِمُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى دَعْوَى الْآخَرِ) وَهَذَا التَّحَالُفُ قَبْلَ الْقَبْضِ عَلَى وِفَاقِ الْقِيَاسِ، لِأَنَّ الْبَائِعَ يَدَّعِي زِيَادَةَ الثَّمَنِ، وَالْمُشْتَرِي يُنْكِرُهُ.
وَالْمُشْتَرِي يَدَّعِي وُجُوبَ تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ بِمَا نَقَدَ وَالْبَائِعُ يُنْكِرُهُ، فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُنْكِرٌ فَيَحْلِفُ فَأَمَّا بَعْدَ الْقَبْضِ فَمُخَالِفٌ لِلْقِيَاسِ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَا يَدَّعِي شَيْئًا، لِأَنَّ الْمَبِيعَ سَالِمٌ لَهُ فَبَقِيَ دَعْوَى الْبَائِعِ فِي زِيَادَةِ الثَّمَنِ وَالْمُشْتَرِي يُنْكِرُهَا فَيَكْتَفِي بِحَلِفِهِ لَكِنَّا عَرَفْنَاهُ بِالنَّصِّ وَهُوَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «إذَا اخْتَلَفَ الْمُتَبَايِعَانِ وَالسِّلْعَةُ قَائِمَةٌ بِعَيْنِهَا تَحَالَفَا وَتَرَادَّا».
قَالَ: (وَيَبْتَدِئُ بِيَمِينِ الْمُشْتَرِي) وَهَذَا قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ آخِرًا وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَهُوَ الصَّحِيحُ، لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ أَشَدُّهُمَا إنْكَارًا لِأَنَّهُ يُطَالِبُ أَوَّلًا بِالثَّمَنِ، وَلِأَنَّهُ يَتَعَجَّلُ فَائِدَةَ النُّكُولِ وَهُوَ إلْزَامُ الثَّمَنِ، وَلَوْ بُدِئَ بِيَمِينِ الْبَائِعِ تَتَأَخَّرُ الْمُطَالَبَةُ بِتَسْلِيمِ الْمَبِيعِ إلَى زَمَانِ اسْتِيفَاءِ الثَّمَنِ.
وَكَانَ أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ يَقُولُ أَوَّلًا يَبْدَأُ بِيَمِينِ الْبَائِعِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «إذَا اخْتَلَفَ الْمُتَبَايِعَانِ فَالْقَوْلُ مَا قَالَهُ الْبَائِعُ» خَصَّهُ بِالذِّكْرِ وَأَقَلُّ فَائِدَتِهِ التَّقْدِيمُ (وَإِنْ كَانَ بَيْعَ عَيْنٍ بِعَيْنٍ أَوْ ثَمَنٍ بِثَمَنٍ بَدَأَ الْقَاضِي بِيَمِينِ أَيُّهُمَا شَاءَ) لِاسْتِوَائِهِمَا.
الشرح:
بَابُ التَّحَالُفِ:
الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «إذَا اخْتَلَفَ الْمُتَبَايِعَانِ، وَالسِّلْعَةُ قَائِمَةٌ بِعَيْنِهَا، تَحَالَفَا، وَتَرَادَّا».
قُلْت: يَأْتِي فِي الْحَدِيثِ بَعْدَهُ.
الْحَدِيثُ الثَّانِي: قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «إذَا اخْتَلَفَ الْمُتَبَايِعَانِ، فَالْقَوْلُ مَا قَالَهُ الْبَائِعُ».
قُلْت: أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَلَهُ طُرُقٌ: فَأَبُو دَاوُد فِي الْبُيُوعِ عَنْ أَبِي عُمَيْسٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ قَيْسِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْأَشْعَثِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ بَاعَ لِلْأَشْعَثِ بْنِ قَيْسٍ رَقِيقًا مِنْ رَقِيقِ الْخُمُسِ بِعِشْرِينَ أَلْفِ دِرْهَمٍ، فَأَرْسَلَ عَبْدَ اللَّهِ إلَيْهِ فِي ثَمَنِهِمْ، فَقَالَ: إنَّمَا أَخَذْتُهُمْ بِعَشَرَةِ آلَافِ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: إنْ شِئْت حَدَّثْتُك بِحَدِيثٍ سَمِعْته مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، سَمِعْته يَقُولُ: «إذَا اخْتَلَفَ الْمُتَبَايِعَانِ لَيْسَ بَيْنَهُمَا بَيِّنَةٌ، فَالْقَوْلُ مَا يَقُولُ رَبُّ السِّلْعَةِ، أَوْ يَتَتَارَكَانِ»، انْتَهَى.
وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ فِي الْبُيُوعِ، وَقَالَ: صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ.
قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: وَفِيهِ انْقِطَاعٌ بَيْنَ مُحَمَّدِ بْنِ الْأَشْعَثِ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَمَعَ الِانْقِطَاعِ فَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ قَيْسٍ مَجْهُولُ الْحَالِ، وَكَذَلِكَ أَبُوهُ قَيْسٌ، وَكَذَلِكَ جَدُّهُ مُحَمَّدٌ، إلَّا أَنَّهُ أَشْهَرُهُمْ، وَهُوَ أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ الْأَشْعَثِ، عِدَادُهُ فِي الْكُوفِيِّينَ، رَوَى عَنْهُ مُجَاهِدٌ، وَالشَّعْبِيُّ، وَالزُّهْرِيُّ، وَعُمَرُ بْنُ قَيْسٍ الْمَاصِرُ، وَسُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ، وَرَوَى عَنْ عَائِشَةَ وَأَمَّا رِوَايَتُهُ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ فَمُنْقَطِعَةٌ، انْتَهَى.
طَرِيقٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد، وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَعْنَاهُ، وَلَمْ يَذْكُرْ أَبُو دَاوُد نَصَّهُ، وَإِنَّمَا أَحَالَ عَلَى اللَّفْظِ الْمُتَقَدِّمِ، قَالَ: وَالْكَلَامُ يَزِيدُ وَيَنْقُصُ، وَذَكَرَ ابْنُ مَاجَهْ فِيهِ النَّصَّ، وَزَادَ فِيهِ: وَالْمَبِيعُ قَائِمٌ بِعَيْنِهِ، فَالْقَوْلُ مَا قَالَ الْبَائِعُ، أَوْ يَتَرَادَّانِ الْبَيْعَ، وَرَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالدَّارِمِيُّ، وَالْبَزَّارُ فِي مَسَانِيدِهِمْ، وَأُعِلَّ بِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِيهِ، فَهُوَ مُنْقَطِعٌ، وَالثَّانِي: أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ أَبِي لَيْلَى ضَعِيفٌ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ: أَهْلُ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ لَا يَقْبَلُونَ مَا تَفَرَّدَ بِهِ لِكَثْرَةِ أَوْهَامِهِ، وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو عُمَيْسٍ، وَمَعْنُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ الْمَسْعُودِيُّ، وَأَبَانُ بْنُ تَغْلِبَ، كُلُّهُمْ عَنْ الْقَاسِمِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ مُنْقَطِعًا، وَلَيْسَ فِيهِ: وَالْمَبِيعُ قَائِمٌ بِعَيْنِهِ، وَأَصَحُّ إسْنَادٍ رُوِيَ فِي هَذَا الْبَابِ رِوَايَةُ أَبِي الْعُمَيْسِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ قَيْسِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْأَشْعَثِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ بِهِ، انْتَهَى.
طَرِيقٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ عَوْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إذَا اخْتَلَفَ الْبَيِّعَانِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ، وَالْمُبْتَاعُ بِالْخِيَارِ»، انْتَهَى.
وَقَالَ: حَدِيثٌ مُرْسَلٌ، فَإِنَّ عَوْنَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ لَمْ يُدْرِكْ ابْنَ مَسْعُودٍ، انْتَهَى.
طَرِيقٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ النَّسَائِيّ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُبَيْدٍ، قَالَ: حَضَرْت أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، وَقَدْ أَتَاهُ رَجُلَانِ تَبَايَعَا سِلْعَةً، فَقَالَ أَحَدُهُمَا: أَخَذْتهَا بِكَذَا، وَقَالَ هَذَا: بِعْتهَا بِكَذَا، فَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: أُتِيَ ابْنُ مَسْعُودٍ فِي مِثْلِ هَذَا، فَقَالَ: «حَضَرْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ أُتِيَ فِي مِثْلِ هَذَا، فَأَمَرَ الْبَائِعَ أَنْ يَسْتَحْلِفَ، ثُمَّ يَخْتَارُ الْمُتَبَايِعُ، فَإِنْ شَاءَ أَخَذَ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ»، انْتَهَى.
وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ الشَّافِعِيِّ إلَّا أَنَّهُ قَالَ: عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ بِالْمِيمِ وَالرَّاءِ وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ وَمِنْ طَرِيقِ الشَّافِعِيِّ رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ فِي الْبُيُوعِ، وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ، إنْ كَانَ الْمَحْفُوظُ فِي إسْنَادِهِ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عُمَيْرٍ، انْتَهَى.
وَعَنْ الْحَاكِمِ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِ الْمَعْرِفَةِ، فَقَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَاكِمُ فِي كِتَابِ الْمُسْتَدْرَكِ بِهِ.
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَهُوَ مُرْسَلٌ، فَإِنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِيهِ شَيْئًا، وَعَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عُمَيْرٍ هُوَ الصَّوَابُ، انْتَهَى.
وَقَالَ صَاحِبُ التَّنْقِيحِ: هَكَذَا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ النَّسَائِيّ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عُبَيْدٍ، وَهُوَ لَا يُعْرَفُ، وَفِي رِوَايَةِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ: عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عُمَيْرٍ، وَكَأَنَّهُ وَهْمٌ، فَإِنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَحْمَدَ قَالَ بَعْدَ ذِكْرِ الْحَدِيثِ: قَرَأْت عَلَى أَبِي، قَالَ: أُخْبِرْتُ عَنْ هِشَامِ بْنِ يُوسُفَ فِي الْبَيْعَيْنِ فِي حَدِيثِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُبَيْدٍ، وَقَالَ أَبِي: قَالَ حَجَّاجٌ الْأَعْوَرُ: عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عُبَيْدٍ، كَذَا قَالَ ابْنُ عُبَيْدَةَ، فَصَارَ فِي رَاوِي هَذَا الْحَدِيثِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ، وَاَللَّه أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ، انْتَهَى كَلَامُهُ.
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ: وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ طُرُقٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ كُلُّهَا لَا تَثْبُتُ، وَقَدْ وَقَعَ فِي بَعْضِهَا: إذَا اخْتَلَفَ الْبَيْعَانِ، وَالْمَبِيعُ قَائِمٌ بِعَيْنِهِ، وَفِي لَفْظٍ: وَالسِّلْعَةُ قَائِمَةٌ، وَهُوَ لَا يَصِحُّ، فَإِنَّهَا مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَقِيلَ: إنَّهُ مِنْ قَوْلِ بَعْضِ الرُّوَاةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ، وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي التَّحْقِيقِ: أَحَادِيثُ هَذَا الْبَابِ فِيهَا مَقَالٌ، فَإِنَّهَا مَرَاسِيلُ وَضِعَافٌ، أَبُو عُبَيْدَةَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِيهِ، وَلَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَالْقَاسِمُ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَلَا عَوْنُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَقَدْ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ بِأَلْفَاظٍ مُخْتَلِفَةٍ، وَبِأَسَانِيدَ ضَعِيفَةٍ، فِيهَا ابْنُ عَيَّاشٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَبِي لَيْلَى، وَالْحَسَنُ بْنُ عُمَارَةَ، وَابْنُ الْمَرْزُبَانِ، وَكُلُّهُمْ ضِعَافٌ، انْتَهَى.
وَقَالَ صَاحِبُ التَّنْقِيحِ: وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ حَدِيثَ ابْنِ مَسْعُودٍ بِمَجْمُوعِ طُرُقِهِ لَهُ أَصْلٌ، بَلْ هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ يُحْتَجُّ بِهِ لَكِنْ فِي لَفْظِهِ اخْتِلَافٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، انْتَهَى.
قُلْت: وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ مَالِكًا أَخْرَجَهُ فِي الْمُوَطَّإِ بَلَاغًا، قَالَ أَبُو مُصْعَبٍ عَنْ مَالِكٍ: بَلَغَنِي أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ كَانَ يُحَدِّثُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَيُّمَا بَيِّعَيْنِ تَبَايَعَا، فَالْقَوْلُ مَا قَالَ الْبَائِعُ، أَوْ يَتَرَادَّانِ»، انْتَهَى.
(وَصِفَةُ الْيَمِينِ أَنْ يَحْلِفَ الْبَائِعُ بِاَللَّهِ مَا بَاعَهُ بِأَلْفٍ وَيَحْلِفَ الْمُشْتَرِي بِاَللَّهِ مَا اشْتَرَاهُ بِأَلْفَيْنِ).
وَقَالَ فِي الزِّيَادَاتِ يَحْلِفُ بِاَللَّهِ مَا بَاعَهُ بِأَلْفٍ وَلَقَدْ بَاعَهُ بِأَلْفَيْنِ وَيَحْلِفَ الْمُشْتَرِي بِاَللَّهِ مَا اشْتَرَاهُ بِأَلْفَيْنِ وَلَقَدْ اشْتَرَاهُ بِأَلْفٍ يَضُمُّ الْإِثْبَاتَ إلَى النَّفْيِ تَأْكِيدًا، وَالْأَصَحُّ الِاقْتِصَارُ عَلَى النَّفْيِ لِأَنَّ الْأَيْمَانَ عَلَى ذَلِكَ وُضِعَتْ دَلَّ عَلَيْهِ حَدِيثُ الْقَسَامَةِ «بِاَللَّهِ مَا قَتَلْتُمْ وَلَا عَلِمْتُمْ لَهُ قَاتِلًا».
قَالَ: (فَإِنْ حَلَفْنَا فَسَخَ الْقَاضِي الْبَيْعَ بَيْنَهُمَا) وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَنْفَسِخُ بِنَفْسِ التَّحَالُفِ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ مَا ادَّعَاهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَيَبْقَى بَيْعٌ مَجْهُولٌ فَيَفْسَخُهُ الْقَاضِي قَطْعًا لِلْمُنَازَعَةِ، أَوْ يُقَالُ إذَا لَمْ يَثْبُتْ الْبَدَلُ يَبْقَى بَيْعًا بِلَا بَدَلٍ وَهُوَ فَاسِدٌ وَلَا بُدَّ مِنْ الْفَسْخِ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ.
الشرح:
الْحَدِيثُ الثَّالِثُ: حَدِيثُ «الْقَسَامَةُ بِاَللَّهِ مَا قَتَلْتُمْ» سَيَأْتِي فِي مَوْضِعِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ: (وَإِنْ نَكَلَ أَحَدُهُمَا عَنْ الْيَمِينِ لَزِمَهُ دَعْوَى الْآخَرِ)، لِأَنَّهُ جُعِلَ بَاذِلًا فَلَمْ يَبْقَ دَعْوَاهُ مُعَارِضًا لِدَعْوَى الْآخَرِ فَلَزِمَ الْقَوْلُ بِثُبُوتِهِ.
قَالَ: (وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الْأَجَلِ أَوْ فِي شَرْطِ الْخِيَارِ أَوْ فِي اسْتِيفَاءِ بَعْضِ الثَّمَنِ فَلَا تَحَالُفَ بَيْنَهُمَا) لِأَنَّ هَذَا اخْتِلَافٌ فِي غَيْرِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَالْمَعْقُودِ بِهِ فَأَشْبَهَ الِاخْتِلَافَ فِي الْحَطِّ وَالْإِبْرَاءِ، وَهَذَا لِأَنَّ بِانْعِدَامِهِ لَا يَخْتَلُّ مَا بِهِ قِوَامُ الْعَقْدِ بِخِلَافِ الِاخْتِلَافِ فِي وَصْفِ الثَّمَنِ وَجِنْسِهِ حَيْثُ يَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الِاخْتِلَافِ فِي الْقَدْرِ فِي جَرَيَانِ التَّحَالُفِ لِأَنَّ ذَلِكَ يَرْجِعُ إلَى نَفْسِ الثَّمَنِ، فَإِنَّ الثَّمَنَ دَيْنٌ وَهُوَ يُعْرَفُ بِالْوَصْفِ وَلَا كَذَلِكَ الْأَجَلُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِوَصْفٍ، أَلَا تَرَى أَنَّ الثَّمَنَ مَوْجُودٌ بَعْدَ مُضِيِّهِ.
قَالَ: (وَالْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ يُنْكِرُ الْخِيَارَ وَالْأَجَلَ مَعَ يَمِينِهِ) لِأَنَّهُمَا يَثْبُتَانِ بِعَارِضِ الشَّرْطِ، وَالْقَوْلُ لِمُنْكِرِ الْعَوَارِضِ.
قَالَ: (فَإِنْ هَلَكَ الْمَبِيعُ ثُمَّ اخْتَلَفَا لَمْ يَتَحَالَفَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي، وَقَالَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ: يَتَحَالَفَانِ وَيُفْسَخُ الْبَيْعُ عَلَى قِيمَةِ الْهَالِكِ) وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَعَلَى هَذَا إذَا خَرَجَ الْمَبِيعُ عَنْ مِلْكِهِ أَوْ صَارَ بِحَالٍ لَا يَقْدِرُ عَلَى رَدِّهِ بِالْعَيْبِ لَهُمَا أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَدَّعِي غَيْرَ الْعَقْدِ الَّذِي يَدَّعِيهِ صَاحِبُهُ وَالْآخَرُ يُنْكِرُهُ وَأَنَّهُ يُفِيدُ دَفْعَ زِيَادَةِ الثَّمَنِ، فَيَتَحَالَفَانِ كَمَا إذَا اخْتَلَفَا فِي جِنْسِ الثَّمَنِ بَعْدَ هَلَاكِ السِّلْعَةِ.
وَلِأَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ أَنَّ التَّحَالُفَ بَعْدَ الْقَبْضِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ لِأَنَّهُ سَلَّمَ لِلْمُشْتَرِي مَا يَدَّعِيهِ، وَقَدْ وَرَدَ الشَّرْعُ بِهِ فِي حَالِ قِيَامِ السِّلْعَةِ، وَالتَّحَالُفُ فِيهِ يُفْضِي إلَى الْفَسْخِ، وَلَا كَذَلِكَ بَعْدَ هَلَاكِهَا لِارْتِفَاعِ الْعَقْدِ فَلَمْ يَكُنْ فِي مَعْنَاهُ، وَلِأَنَّهُ لَا يُبَالِي بِالِاخْتِلَافِ فِي السَّبَبِ بَعْدَ حُصُولِ الْمَقْصُودِ، وَإِنَّمَا يُرَاعَى مِنْ الْفَائِدَةِ مَا يُوجِبُهُ الْعَقْدُ، وَفَائِدَةُ دَفْعِ زِيَادَةِ الثَّمَنِ لَيْسَتْ مِنْ مُوجِبَاتِهِ، وَهَذَا إذَا كَانَ الثَّمَنُ دَيْنًا، فَإِنْ كَانَ عَيْنًا يَتَحَالَفَانِ، لِأَنَّ الْمَبِيعَ فِي أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ قَائِمٌ فَتُوَفَّرُ فَائِدَةُ الْفَسْخِ ثُمَّ يُرَدُّ مِثْلُ الْهَالِكِ إنْ كَانَ لَهُ مِثْلٌ أَوْ قِيمَتُهُ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مِثْلٌ.
قَالَ: (وَإِنْ هَلَكَ الْعَبْدَانِ ثُمَّ اخْتَلَفَا فِي الثَّمَنِ لَمْ يَتَحَالَفَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ إلَّا أَنْ يَرْضَى الْبَائِعُ أَنْ يَتْرُكَ حِصَّةَ الْهَالِكِ مِنْ الثَّمَنِ، وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي مَعَ يَمِينِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ إلَّا أَنْ يَشَاءَ الْبَائِعُ أَنْ يَأْخُذَ الْعَبْدَ الْحَيَّ وَلَا شَيْءَ لَهُ مِنْ قِيمَةِ الْهَالِكِ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ: يَتَحَالَفَانِ فِي الْحَيِّ وَيُفْسَخُ الْعَقْدُ فِي الْحَيِّ، وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي فِي قِيمَةِ الْهَالِكِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ يَتَحَالَفَانِ عَلَيْهِمَا وَيُرَدُّ الْحَيُّ وَقِيمَةُ الْهَالِكِ) لِأَنَّ هَلَاكَ كُلِّ السِّلْعَةِ لَا يَمْنَعُ التَّحَالُفَ عِنْدَهُ فَهَلَاكُ الْبَعْضِ أَوْلَى، وَلِأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ امْتِنَاعَ التَّحَالُفِ لِلْهَلَاكِ فَيَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهِ.
وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ التَّحَالُفَ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ فِي حَالِ قِيَامِ السِّلْعَةِ وَهِيَ اسْمٌ لِجَمِيعِ أَجْزَائِهَا فَلَا تَبْقَى السِّلْعَةُ بِفَوَاتِ بَعْضِهَا وَلِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ التَّحَالُفُ فِي الْقَائِمِ إلَّا عَلَى اعْتِبَارِ حِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْقِسْمَةِ عَلَى الْقِيمَةِ وَهِيَ تُعْرَفُ بِالْحَزْرِ وَالظَّنِّ فَيُؤَدِّي إلَى التَّحَالُفِ مَعَ الْجَهْلِ، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يَرْضَى الْبَائِعُ أَنْ يَتْرُكَ حِصَّةَ الْهَالِكِ أَصْلًا لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ الثَّمَنُ كُلُّهُ بِمُقَابَلَةِ الْقَائِمِ، وَيَخْرُجُ الْهَالِكُ عَنْ الْعَقْدِ فَيَتَحَالَفَانِ، هَذَا تَخْرِيجُ بَعْضِ الْمَشَايِخِ رَحِمَهُمُ اللَّهُ وَيُصْرَفُ الِاسْتِثْنَاءُ عِنْدَهُمْ إلَى التَّحَالُفِ كَمَا ذَكَرْنَا.
وَقَالُوا: إنَّ الْمُرَادَ مِنْ قَوْلِهِ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ يَأْخُذُ الْحَيَّ وَلَا شَيْءَ لَهُ: مَعْنَاهُ لَا يَأْخُذُ مِنْ ثَمَنِ الْهَالِكِ شَيْئًا أَصْلًا، وَقَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ رَحِمَهُمُ اللَّهُ: يَأْخُذُ مِنْ ثَمَنِ الْهَالِكِ بِقَدْرِ مَا أَقَرَّ بِهِ الْمُشْتَرِي، وَإِنَّمَا لَا يَأْخُذُ الزِّيَادَةَ، وَعَلَى قَوْلِ هَؤُلَاءِ يَنْصَرِفُ الِاسْتِثْنَاءُ إلَى يَمِينِ الْمُشْتَرِي لَا إلَى التَّحَالُفِ لِأَنَّهُ لَمَّا أَخَذَ الْبَائِعُ بِقَوْلِ الْمُشْتَرِي فَقَدْ صَدَّقَهُ فَلَا يَحْلِفُ الْمُشْتَرِي، ثُمَّ تَفْسِيرُ التَّحَالُفِ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ مَا بَيَّنَاهُ فِي الْقَائِمِ، وَإِذَا حَلَفَا وَلَمْ يَتَّفِقَا عَلَى شَيْءٍ فَادَّعَى أَحَدُهُمَا الْفَسْخَ أَوْ كِلَاهُمَا يُفْسَخُ الْعَقْدُ بَيْنَهُمَا وَيَأْمُرُ الْقَاضِي الْمُشْتَرِيَ بِرَدِّ الْبَاقِي وَقِيمَةِ الْهَالِكِ، وَاخْتَلَفُوا فِي تَفْسِيرِهِ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَحْلِفُ الْمُشْتَرِي بِاَللَّهِ مَا اشْتَرَيْتُهُمَا بِمَا يَدَّعِيهِ الْبَائِعُ، فَإِنْ نَكَلَ لَزِمَهُ دَعْوَى الْبَائِعِ وَإِنْ حَلَفَ يَحْلِفُ الْبَائِعُ بِاَللَّهِ مَا بِعْتُهُمَا بِالثَّمَنِ الَّذِي يَدَّعِيهِ الْمُشْتَرِي، فَإِنْ نَكَلَ لَزِمَهُ دَعْوَى الْمُشْتَرِي، وَإِنْ حَلَفَ يَفْسَخَانِ الْعَقْدَ فِي الْقَائِمِ وَتَسْقُطُ حِصَّتُهُ مِنْ الثَّمَنِ وَيَلْزَمُ الْمُشْتَرِي حِصَّةُ الْهَالِكِ وَيُعْتَبَرُ قِيمَتُهُمَا فِي الِانْقِسَامِ يَوْمَ الْقَبْضِ.
(وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي قِيمَةِ الْهَالِكِ يَوْمَ الْقَبْضِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ، وَأَيُّهُمَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ، وَإِنْ أَقَامَاهَا فَبَيِّنَةُ الْبَائِعِ أَوْلَى) وَهُوَ قِيَاسُ مَا ذُكِرَ فِي بُيُوعِ الْأَصْلِ (اشْتَرَى عَبْدَيْنِ وَقَبَضَهُمَا ثُمَّ رَدَّ أَحَدَهُمَا بِالْعَيْبِ وَهَلَكَ الْآخَرُ عِنْدَهُ يَجِبُ عَلَيْهِ ثَمَنُ مَا هَلَكَ عِنْدَهُ وَيَسْقُطُ عَنْهُ ثَمَنُ مَا رَدَّهُ وَيَنْقَسِمُ الثَّمَنُ عَلَى قِيمَتِهِمَا، فَإِنْ اخْتَلَفَا فِي قِيمَةِ الْهَالِكِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ) لِأَنَّ الثَّمَنَ قَدْ وَجَبَ بِاتِّفَاقِهِمَا، ثُمَّ الْمُشْتَرِي يَدَّعِي زِيَادَةَ السُّقُوطِ بِنُقْصَانِ قِيمَةِ الْهَالِكِ وَالْبَائِعُ يُنْكِرُهُ وَالْقَوْلُ لِلْمُنْكَرِ (وَإِنْ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ فَبَيِّنَةُ الْبَائِعِ أَوْلَى) لِأَنَّهَا أَكْثَرُ إثْبَاتًا ظَاهِرًا لِإِثْبَاتِهَا الزِّيَادَةَ فِي قِيمَةِ الْهَالِكِ وَهَذَا لِفِقْهٍ، وَهُوَ أَنَّ فِي الْأَيْمَانِ تُعْتَبَرُ الْحَقِيقَةُ لِأَنَّهَا تَتَوَجَّهُ عَلَى أَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ وَهُمَا يَعْرِفَانِ حَقِيقَةَ الْحَالِ فَبُنِيَ الْأَمْرُ عَلَيْهَا وَالْبَائِعُ مُنْكِرٌ حَقِيقَةً، فَلِذَا كَانَ الْقَوْلُ، وَفِي الْبَيِّنَاتِ يُعْتَبَرُ الظَّاهِرُ لِأَنَّ الشَّاهِدَيْنِ لَا يَعْلَمَانِ حَقِيقَةَ الْحَالِ فَاعْتُبِرَ الظَّاهِرُ فِي حَقِّهِمَا وَالْبَائِعُ مُدَّعٍ ظَاهِرًا فَلِهَذَا تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ أَيْضًا وَتَتَرَجَّحُ بِالزِّيَادَةِ الظَّاهِرَةِ عَلَى مَا مَرَّ وَهَذَا يُبَيِّنُ لَك مَعْنَى مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ.
قَالَ: (وَمَنْ اشْتَرَى جَارِيَةً وَقَبَضَهَا ثُمَّ تَقَايَلَا ثُمَّ اخْتَلَفَا فِي الثَّمَنِ فَإِنَّهُمَا يَتَحَالَفَانِ وَيَعُودُ الْبَيْعُ الْأَوَّلُ) وَنَحْنُ مَا أَثْبَتْنَا التَّحَالُفَ فِيهِ بِالنَّصِّ لِأَنَّهُ وَرَدَ فِي الْبَيْعِ الْمُطْلَقِ، وَالْإِقَالَةُ فَسْخٌ فِي حَقِّ الْمُتَعَاقِدَيْنِ، وَإِنَّمَا أَثْبَتْنَاهُ بِالْقِيَاسِ لِأَنَّ الْمَسْأَلَةَ مَفْرُوضَةٌ قَبْلَ الْقَبْضِ وَالْقِيَاسُ يُوَافِقُهُ عَلَى مَا مَرَّ، وَلِهَذَا نَقِيسُ الْإِجَارَةَ عَلَى الْبَيْعِ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَالْوَارِثَ عَلَى الْعَاقِدِ وَالْقِيمَةَ عَلَى الْعَيْنِ فِيمَا إذَا اسْتَهْلَكَهُ فِي يَدِ الْبَائِعِ غَيْرُ الْمُشْتَرِي.
قَالَ: (وَلَوْ قَبَضَ الْبَائِعُ الْمَبِيعَ بَعْدَ الْإِقَالَةِ فَلَا تَحَالُفَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ) لِأَنَّهُ يَرَى النَّصَّ مَعْلُولًا بَعْدَ الْقَبْضِ أَيْضًا قَالَ: (وَمَنْ أَسْلَمَ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ فِي كُرِّ حِنْطَةٍ ثُمَّ تَقَايَلَا ثُمَّ اخْتَلَفَا فِي الثَّمَنِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ وَلَا يَعُودُ السَّلَمُ) لِأَنَّ الْإِقَالَةَ فِي بَابِ السَّلَمِ لَا تَحْتَمِلُ النَّقْدَ لِأَنَّهُ إسْقَاطٌ فَلَا يَعُودُ السَّلَمُ بِخِلَافِ الْإِقَالَةِ فِي الْبَيْعِ، أَلَا تَرَى أَنَّ رَأْسَ مَالِ السَّلَمِ لَوْ كَانَ عَرَضًا فَرَدَّهُ بِالْعَيْبِ وَهَلَكَ قَبْلَ التَّسْلِيمِ إلَى رَبِّ السَّلَمِ لَا يَعُودُ السَّلَمُ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ فِي بَيْعِ الْعَيْنِ يَعُودُ الْبَيْعُ دَلَّ عَلَى الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا.
قَالَ: (وَإِذَا اخْتَلَفَ الزَّوْجَانِ فِي الْمَهْرِ فَادَّعَى الزَّوْجُ أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا بِأَلْفٍ وَقَالَتْ: تَزَوَّجَنِي بِأَلْفَيْنِ فَأَيُّهُمَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ) لِأَنَّهُ نَوَّرَ دَعْوَاهُ بِالْحُجَّةِ (وَإِنْ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ فَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الْمَرْأَةِ) لِأَنَّهَا تُثْبِتُ الزِّيَادَةَ مَعْنَاهُ إذَا كَانَ مَهْرُ مِثْلِهَا أَقَلَّ مِمَّا ادَّعَتْهُ (وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُمَا بَيِّنَةٌ تَحَالَفَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَلَا يُفْسَخُ النِّكَاحُ) لِأَنَّ أَثَرَ التَّحَالُفِ فِي انْعِدَامِ التَّسْمِيَةِ، وَإِنَّهُ لَا يُخِلُّ بِصِحَّةِ النِّكَاحِ لِأَنَّ الْمَهْرَ تَابِعٌ فِيهِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ، لِأَنَّ عَدَمَ التَّسْمِيَةِ يُفْسِدُهُ عَلَى مَا مَرَّ فَيُفْسَخُ (وَلَكِنْ يُحَكَّمُ مَهْرُ الْمِثْلِ، فَإِنْ كَانَ مِثْلَ مَا اعْتَرَفَ بِهِ الزَّوْجُ أَوْ أَقَلَّ قَضَى بِمَا قَالَ الزَّوْجُ) لِأَنَّ الظَّاهِرَ شَاهِدٌ لَهُ (وَإِنْ كَانَ مِثْلَ مَا ادَّعَتْهُ الْمَرْأَةُ أَوْ أَكْثَرَ قَضَى بِمَا ادَّعَتْهُ الْمَرْأَةُ، وَإِنْ كَانَ مَهْرُ الْمِثْلِ أَكْثَرَ مِمَّا اعْتَرَفَ بِهِ الزَّوْجُ وَأَقَلَّ مِمَّا ادَّعَتْهُ الْمَرْأَةُ قَضَى لَهَا بِمَهْرِ الْمِثْلِ) لِأَنَّهُمَا لَمَّا تَحَالَفَا لَمْ تَثْبُتْ الزِّيَادَةُ عَلَى مَهْرِ الْمِثْلِ وَلَا الْحَطُّ عَنْهُ.
قَالَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: ذَكَرَ التَّحَالُفَ أَوَّلًا ثُمَّ التَّحْكِيمَ، وَهَذَا قَوْلُ الْكَرْخِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ لِأَنَّ مَهْرَ الْمِثْلِ لَا اعْتِبَارَ لَهُ مَعَ وُجُودِ التَّسْمِيَةِ وَسُقُوطِ اعْتِبَارِهَا بِالتَّحَالُفِ فَلِهَذَا يُقَدَّمُ فِي الْوُجُودِ كُلِّهَا وَيُبْدَأُ بِيَمِينِ الزَّوْجِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعْجِيلًا لِفَائِدَةِ النُّكُولِ كَمَا فِي الْمُشْتَرِي، وَتَخْرِيجُ الرَّازِيّ رَحِمَهُ اللَّهُ بِخِلَافِهِ، وَقَدْ اسْتَقْصَيْنَاهُ فِي النِّكَاحِ وَذَكَرْنَا خِلَافَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ فَلَا نُعِيدُهُ.
(وَلَوْ ادَّعَى الزَّوْجُ النِّكَاحَ عَلَى هَذَا الْعَبْدِ وَالْمَرْأَةُ تَدَّعِيهِ عَلَى هَذِهِ الْجَارِيَةِ فَهُوَ كَالْمَسْأَلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ إلَّا أَنَّ قِيمَةَ الْجَارِيَةِ إذَا كَانَتْ مِثْلَ مَهْرِ الْمِثْلِ يَكُونُ لَهَا قِيمَتُهَا دُونَ عَيْنِهَا) لِأَنَّ تَمَلُّكَهَا لَا يَكُونُ إلَّا بِالتَّرَاضِي وَلَمْ يُوجَدْ فَوَجَبَتْ الْقِيمَةُ (وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الْإِجَارَةِ قَبْلَ اسْتِيفَاءِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ تَحَالَفَا وَتَرَادَّا) مَعْنَاهُ اخْتَلَفَا فِي الْبَدَلِ أَوْ فِي الْمُبْدَلِ لِأَنَّ التَّحَالُفَ فِي الْبَيْعِ قَبْلَ الْقَبْضِ عَلَى وِفَاقِ الْقِيَاسِ عَلَى مَا مَرَّ، وَالْإِجَارَةُ قَبْلَ قَبْضِ الْمَنْفَعَةِ نَظِيرُ الْبَيْعِ قَبْلَ قَبْضِ الْمَبِيعِ وَكَلَامُنَا قَبْلَ اسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ (فَإِنْ وَقَعَ الِاخْتِلَافُ فِي الْأُجْرَةِ يُبْدَأُ بِيَمِينِ الْمُسْتَأْجِرِ) لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ لِوُجُوبِ الْأُجْرَةِ (وَإِنْ وَقَعَ فِي الْمَنْفَعَةِ يُبْدَأُ بِيَمِينِ الْمُؤَجِّرِ وَأَيُّهُمَا نَكَلَ لَزِمَهُ دَعْوَى صَاحِبِهِ وَأَيُّهُمَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ قُبِلَتْ، وَلَوْ أَقَامَاهَا فَبَيِّنَةُ الْمُؤَجِّرِ أَوْلَى إنْ كَانَ الِاخْتِلَافُ فِي الْأُجْرَةِ، وَإِنْ كَانَ فِي الْمَنَافِعِ فَبَيِّنَةُ الْمُسْتَأْجِرِ أَوْلَى، وَإِنْ كَانَ فِيهِمَا قُبِلَتْ بَيِّنَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِيمَا يَدَّعِيهِ مِنْ الْفَضْلِ) نَحْوُ أَنْ يَدَّعِيَ هَذَا شَهْرًا بِعَشَرَةٍ، وَالْمُسْتَأْجِرُ شَهْرَيْنِ بِخَمْسَةٍ يَقْضِي بِشَهْرَيْنِ بِعَشَرَةٍ.
قَالَ: (وَإِنْ اخْتَلَفَا بَعْدَ الِاسْتِيفَاءِ لَمْ يَتَحَالَفَا، وَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُسْتَأْجِرِ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ ظَاهِرٌ لِأَنَّ هَلَاكَ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ يَمْنَعُ التَّحَالُفَ عِنْدَهُمَا، وَكَذَا عَلَى أَصْلِ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ، لِأَنَّ الْهَلَاكَ إنَّمَا لَا يُمْنَعُ عِنْدَهُ فِي الْمَبِيعِ لِمَا أَنَّ لَهُ قِيمَةً تَقُومُ مَقَامَهُ فَيَتَحَالَفَانِ عَلَيْهَا، وَلَوْ جَرَى التَّحَالُفُ هَاهُنَا وَفُسِخَ الْعَقْدُ فَلَا قِيمَةَ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ لَا تَتَقَوَّمُ بِنَفْسِهَا بَلْ بِالْعَقْدِ وَتَبَيَّنَ أَنَّهُ لَا عَقْدَ، وَإِذَا امْتَنَعَ فَالْقَوْلُ لِلْمُسْتَأْجِرِ مَعَ يَمِينِهِ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُسْتَحَقُّ عَلَيْهِ (وَإِنْ اخْتَلَفَا بَعْدَ اسْتِيفَاءِ بَعْضِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ تَحَالَفَا وَفُسِخَ الْعَقْدُ فِيمَا بَقِيَ وَكَانَ الْقَوْلُ فِي الْمَاضِي قَوْلَ الْمُسْتَأْجِرِ) لِأَنَّ الْعَقْدَ يَنْعَقِدُ سَاعَةً فَسَاعَةً فَيَصِيرُ فِي كُلِّ جُزْءٍ مِنْ الْمَنْفَعَةِ كَانَ ابْتِدَاءُ الْعَقْدِ عَلَيْهَا بِخِلَافِ الْبَيْعِ لِأَنَّ الْعَقْدَ فِيهِ دَفْعَةٌ وَاحِدَةٌ، فَإِذَا تَعَذَّرَ فِي الْبَعْضِ تَعَذَّرَ فِي الْكُلِّ.
قَالَ: (وَإِذَا اخْتَلَفَ الْمَوْلَى وَالْمُكَاتَبُ فِي مَالِ الْكِتَابَةِ لَمْ يَتَحَالَفَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَقَالَا: يَتَحَالَفَانِ وَتُفْسَخُ الْكِتَابَةُ) وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ، لِأَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ يَقْبَلُ الْفَسْخَ فَأَشْبَهَ الْبَيْعَ، وَالْجَامِعُ أَنَّ الْمَوْلَى يَدَّعِي بَدَلًا زَائِدًا يُنْكِرُهُ الْعَبْدُ، وَالْعَبْدُ يَدَّعِي اسْتِحْقَاقَ الْعِتْقِ عَلَيْهِ عِنْدَ أَدَاءِ الْقَدْرِ الَّذِي يَدَّعِيهِ، وَالْمَوْلَى يُنْكِرُهُ فَيَتَحَالَفَانِ كَمَا إذَا اخْتَلَفَا فِي الثَّمَنِ.
وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ الْبَدَلَ مُقَابَلٌ بِفَكٍّ الْحَجْرِ فِي حَقِّ الْيَدِ، وَالتَّصَرُّفُ لِلْحَالِّ وَهُوَ سَالِمٌ لِلْعَبْدِ، وَإِنَّمَا يَنْقَلِبُ مُقَابِلًا بِالْعِتْقِ عِنْدَ الْأَدَاءِ فَقَبْلَهُ لَا مُقَابَلَةَ فَبَقِيَ اخْتِلَافًا فِي قَدْرِ الْبَدَلِ لَا غَيْرُ فَلَا يَتَحَالَفَانِ.
قَالَ: (وَإِذَا اخْتَلَفَ الزَّوْجَانِ فِي مَتَاعِ الْبَيْتِ فَمَا يَصْلُحُ لِلرِّجَالِ فَهُوَ لِلرَّجُلِ كَالْعِمَامَةِ) لِأَنَّ الظَّاهِرَ شَاهِدٌ لَهُ (وَمَا يَصْلُحُ لِلنِّسَاءِ فَهُوَ لِلْمَرْأَةِ كَالْوِقَايَةِ) لِشَهَادَةِ الظَّاهِرِ لَهَا (وَمَا يَصْلُحُ لَهُمَا كَالْآنِيَةِ فَهُوَ لِلرَّجُلِ) لِأَنَّ الْمَرْأَةَ وَمَا فِي يَدِهَا فِي يَدِ الزَّوْجِ، وَالْقَوْلُ فِي الدَّعَاوَى لِصَاحِبِ الْيَدِ بِخِلَافِ مَا يَخْتَصُّ بِهَا لِأَنَّهُ يُعَارِضُهُ ظَاهِرٌ أَقْوَى مِنْهُ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَا إذَا كَانَ الِاخْتِلَافُ فِي حَالِ قِيَامِ النِّكَاحِ أَوْ بَعْدَ أَوْ مَا وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ (فَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا وَاخْتَلَفَتْ وَرَثَتُهُ مَعَ الْآخَرِ فَمَا يَصْلُحُ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ فَهُوَ لِلْبَاقِي مِنْهُمَا) لِأَنَّ الْيَدَ لِلْحَيِّ دُونَ الْمَيِّتِ، وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ: يُدْفَعُ إلَى الْمَرْأَةِ مَا يُجَهَّزُ بِهِ مِثْلُهَا وَالْبَاقِي لِلزَّوْجِ مَعَ يَمِينِهِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْمَرْأَةَ تَأْتِي بِالْجِهَازِ، وَهَذَا أَقْوَى فَيَبْطُلُ بِهِ ظَاهِرُ يَدِ الزَّوْجِ ثُمَّ فِي الْبَاقِي لَا مُعَارِضَ لِظَاهِرِهِ فَيُعْتَبَرُ (وَالطَّلَاقُ وَالْمَوْتُ سَوَاءٌ) لِقِيَامِ الْوَرَثَةِ مَقَامَ مُوَرِّثِهِمْ (وَقَالَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ: مَا كَانَ لِلرِّجَالِ فَهُوَ لِلرَّجُلِ وَمَا كَانَ لِلنِّسَاءِ فَهُوَ لِلْمَرْأَةِ وَمَا يَكُونُ لَهُمَا فَهُوَ لِلرَّجُلِ أَوْ لِوَرَثَتِهِ) لِمَا قُلْنَا لِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ (وَالطَّلَاقُ وَالْمَوْتُ سَوَاءٌ) لِقِيَامِ الْوَارِثِ مَقَامَ الْمُوَرِّثِ (وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا مَمْلُوكًا فَالْمَتَاعُ لِلْحُرِّ فِي حَالَةِ الْحَيَاةِ) لِأَنَّ يَدَ الْحُرِّ أَقْوَى (وَلِلْحَيِّ بَعْدَ الْمَمَاتِ) لِأَنَّهُ لَا يَدَ لِلْمَيِّتِ فَخَلَتْ يَدُ الْحَيِّ عَنْ الْمُعَارِضِ (وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ).
(وَقَالَا: الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ لَهُ فِي التِّجَارَةِ وَالْمُكَاتَبُ بِمَنْزِلَةِ الْحُرِّ) لِأَنَّ لَهُمَا يَدًا مُعْتَبَرَةً فِي الْخُصُومَاتِ.